كاوه محمود
يخوض الحزب الشيوعي الصيني تجربة متجددة في بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية الذي يعتبر منعطفا تاريخيا، لا في مجال تطوير سياسة الحزب الشيوعي الصيني وتجدده المستمر فحسب، بل في مجال تجارب البلدان والاحزاب الاشتراكية والشيوعية في حقل بناء الاشتراكية، ايضاً.
وتتسم هذه التجربة بطابعها العالمي لان النضال من أجل المساواتية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية مسألة عالمية تتعلق بابداع الجماهير وارادة الشغيلة والكادحين و كل الطبقات والفئات الاجتماعية ذات المصلحة في التغيير الاجتماعي، وعلى اعتبار ان ما حققته الشعوب في نضالها من أجل الاشتراكية تحمل طابعا أممياً.
لذا، من الطبيعي ان تأخذ تجربة بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وهي تجربة مستمرة تحقق مديات واسعة من التنمية والتقدم على طريق تحقيق مجتمع رغيد الحياة، والتجارب الاخرى سواء المستمرة منها، وحتى تجربة انهيار الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي السابق، حيزاً واضحا في اهتمام الاحزاب الاشتراكية والشيوعية العالمية.
من الضروري ان تستند الأبحاث والتقييمات لمثل هذه التجارب على منهج معرفي ماركسي في تحليل الظواهر الاجتماعية ومتابعة المستجدات منها في المجتمع، والوصول الى استنتاجات فكرية ونظرية من خلال ربط الفكر بالواقع وبرهنته بالممارسة، والربط الديالكتيكي بين تجربة النضال الوطني للشعوب ونضال الشغيلة والكادحين من أجل القضايا الطبقية، وتحقيق الحياة الكريمة واللائقة للبشرية، وضمان التنمية والسلم على الصعيد العالمي، والاستفادة من كل هذه التجارب بنجاحاتها واخفاقاتها بعيدا عن الاستنساخ والمطابقة.
إن الشيء الهام في تجرية الحزب الشيوعي الصيني يكمن في تحديد التناقضات القائمة عل الصعيد الداخلي والدولي بشكل متجدد وتشخيص الثغرات. ولذا نرى بأن الحزب يؤكد في مؤتمره العشرين على وجود التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة جميلة من جهة والتنمية غير المتوازنة ولا الكافية من الجهة الأخرى.
إن تسوية مشكلة الغذاء والكساء لصالح مليار ونيف نسمة بشكل مستقر من الانجازات الكبيرة و المسائل المهمة جدا، في وقت تتزايد المطالب بالحياة الجميلة والثقافة والديمقراطية وحكم القانون والإنصاف والعدالة والأمن والبيئة. وهذا ما يتطلب معالجة ما شخصه الحزب من ضرورة معالجة مشكلة عدم توازن التنمية وغياب كفايتها لدفع التنمية الشاملة للإنسان والتقدم الشامل للمجتمع.
وتقدم لنا الارقام في مجال سياسة مكافحة الفقر دليلاً واضحاً على نجاح هذه السياسة. لقد كان حجم الأفراد تحت مستوى خط الفقر في عام 2016 يبلغ 70 مليون شخص، ةتم سنويا إنقاذ 10 ملايين شخص من مستوى خط الفقر، بمعدل شخص واحد خلال ثلاث ثوان، وصولآً الى القضاء على القفر حيث أعلن الرئيس شي جين بينغ في الخامس والعشرين من فبراير عام 2021 الانتصار الكامل في معركة القضاء على الفقر. واقترن الحديث عن النجاحات بالأرقام والتحولات التي هي ظاهرة للعيان في مجالات التنمية العلمية والذكاء الصناعي والثقل الكبير لموقع الصين في السياسة الدولية، وتحقيق النمو على الصعيد العالمي، والدعوة إلى بناء العلاقات الدولية بين الشعوب والدول وفق أسس التنمية المتبادلة، ونجد تجليات هذه الخطوات في مشروع الحزام وطريق الحرير، وطرح المبادرات الدولية في مجالات الأمن المشترك والتنمية المشتركة ومبادرة الحضارة العالمية.
ان الديمومة والتحديثات المستمرة في بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، التي تعتبر تجربة ابداع للأمة الصينية في تحقيق انتصار حاسم في انجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، واحراز انتصارات عظيمة للاشتراكية في العصر الجديد، تعطي طابعا أمميا في مجال تطوير الممارسة والنظرية الماركسية، متجاوزا الطابع المحلي لتجربة البناء الاشتراكي، لتؤكد هذه التجربة مقولة لينين حول طريق الاشتراكية “كونه غير مُعَبد سابقاً، وان الشعوب ستصل بطريق نضالها الخاص الى بناء الاشتراكية”.
ان تطور الرأسمالية في ظل العولمة تعطي طابعا عالمياً لتجربة بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، كونه يطرح في مجال التنمية والتحديث و بناء عالم جديد بديلاً عمليا للحمائية وطريق النيوليبرالية في التنمية الاقتصادية، وتفتح أمام البشرية سبلا جديدة في التعاون الدولي والتنمية العالمية و بناء السلم العالمي.